16-معجزاته مع الحيوان
معجزات النبي مع الحيوانات
- ومن معجزاته المتعلقة بالحيوان توقير الوحش له ، فقد كان في بيت النبي وحش يحترمه ويُوّقره ويُجله .
قالت عائشة – رضي الله عنها - : كان لآل رسول الله وحش فإذا خرج رسول الله لعب واشتد ، وأقبل وأدبر ، فإذا أحس برسول الله قد دخل ربض فلم يترمرم مادام رسول الله في البيت كراهية أن يؤذيه .
] حديث صحيح : اخرجه احمد ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد [.
- الجمل البطيء صار سريعاً
إنه جمل سيدنا جابر – رضي الله عنه – كان بطيئاً فدعا له الرسول فصار سابق الجمال . ويُحدثنا عن هذا جابر – رضي الله عنه – فيقول: خرجت مع رسول الله في غزاة فأبطأ جملي وأعياني فأتى عليّ رسول الله فقال : " ما شأنك ؟ " قلت : أبطأ جملي وأعياني وتخلف ، فحجنه بمحجنه – أي ضربه - ، ثم قال : اركب ، فركبت فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله . أي من شدة السرعة ، وعنه قال: غزوت مع رسول الله فتلاحق بي وتحتي ناضح لي قد أعيا .
- وافد الذئاب يرضى بأوامر الرسول
عن حمزة بن أبي أسيد قال : خرج رسول الله في جنازة رجل من الأنصار بالبقيع ، فإذا الذئب مفترشاً ذراعيه على الطريق ، فقال رسول الله " هذا جاء يستفرض فافرضوا له " ، قالوا : ترى رأيك يا رسول الله قال : " من كل سائمة شاة في كل عام " قالوا كثير قال: فأشار إلى الذئب أن خالسهم فانطلق الذئب. ورضي الذئب بأن يأخذ منهم الشياة خلسة كما عرض عليه رسول الله .
]حديث حسن بشواهده : اخرجه البيهقي في الدلائل ورواه البزار وابو نعيم [.
- الذئب يتكلم ويشهد بالرسالة
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه ، فأقعى الذئب على ذنبه ، فقال : ألا تتقي الله ؟ تنزع مني رزقاً ساقه الله إليّ ؟ فقال : يا عجبي ذئب يكلمني كلام الإنس ! فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ محمد بيثرب يُخبر الناس بأنباء ما قد سبق . قال : فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ، ثم أتى رسول الله فأخبره فأمر رسول الله فنودي : الصلاة جامعة ثم خرج فقال للراعي : أخبرهم فأخبرهم . فقال رسول الله : " صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يُكلم السباع الإنس ، ويُكلم الرجل عذبة سوطه ، وشراك نعله ، ويُخبره فخذه بما أحدثه أهله بعده " .
]حديث صحيح : اخرجه احمد (3/83-84) وبعضه في الترمذي في الفتن ، ورواه البيهقي في الدلائل [.
- الشاة التي لم يطأها الفحل تدرّ!!
عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي معيط ، فمر بي رسول الله وقال لي : " يا غلام ، هل من لبن ؟ " فقلت : نعم ، ولكني مؤتمن ، قال : " فهل من شاة حائل لم ينز عليها الفحل ؟ " قال : فأتيته بشاة حائل فمسح ضرعها فنزل لبن ، فحلبه في إناء وشرب ، وسقى أبا بكر ثم قال للضــرع : " اقلص " فقلص قال : ثم أتيته بعد فقلت : يا رسول الله علمني من هذا القول ، قال : فمسح رأسي وقال : " يرحمك الله فإنك عليم معلم ".
]الحديث أخرجه احمد وابن سعد في الطبقات [.
- شاة أم مَعبَد التي لا تدر اللبن درّت
عن أبي معبد الخزاعي أن النبي خرج ليلة هاجر من مكة إلى المدينة هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط ... ثم مرّ رسول الله في مسيره ذلك حتى مر يخيمتي أم مَعبَد الخزاعية ، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ، ثم تُطعم وتسقي من مر بها ، فسألاها : " هل عندك شيء ؟ " فقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القِرى . والشاء عازب ( إي بعيدة المرعى ) وكانت سنة شهباء ، فنظر رسول الله إلى شاة في كِسر الخيمة ، فقال : " ماهذه الشاة يا أم معبد ؟ " قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم ، فقال : "هل بها من لبن ؟ " قالــت: هي أجهد من ذلك . فقال : " أتأذنين لي أن أحلبها ؟ " قالت : نعم بأبي وأمي ، إن رأيت بها حلباً فاحلبها ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها ، وسمّى الله ودعا فتفاجت عليه ( إي فرّجت مابين رجليها ) ودرّت ، فدعا بإناء لها يُربض الرهط ، فحلب فيه حتى علته الرغوة ، فسقاها فشربت حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب ، وحلب فيه ثانياً ، حتى ملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، فارتحلوا ، فقلما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزاً عجافاً ( إي هزالاً ) يتساوكن ( أي يتمايلن من شدة ضعفهن ) هزالاً لا نقى بهن ( النقى مخ العظم أي لاقوة فيهن ) فلما رأي اللبن ، عَجِب فقال : من أين لك هذا ؟ والشاة عازب، ولا حلوبة في البيت ؟ فقالت : لا والله إلا أنه مرّ بنا رجل مُبارك كان في حديثه كيت وكيت ، ومن حاله كذا وكذا .
- طائر الحمرة أخذ حقه ولم يرجع
أخذ بعض الصحابة فرخا حمرة ، فجاء طائر الحمرة يريد ولداه . وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : كنا مع رسول الله في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخا حُمرة فأخذناهما ، قال : فجاءت الحمرة إلى رسول الله وهي تفرش فقال : "من فجع هذه بفرخيها ؟" قال : فقلنا : نحن ، قال : "ردّوهما " فرددناهما إلى موضعهما فلم يرجع .
]حديث حسن : أخرجه أبو داود في الجهاد رقم ( 2675) ، وفي الأدب رقم (5268)، وأخرجه البيهقي في الدلائل ( 6/33،32) ، واللفظ له [.
- ذراع الشاة يتكلم
في غزوة خيبر أهدت زينت بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم رسول الله شاة مشوية قد سمّتها ، وسألت : أي اللحم أحب إليه ؟ فقالوا : الذراع فأكثرت من السم في الذراع ، فلما انتهش من ذراعها ، أخبره الذراع بأنه مسموم ، فلفظ الأكلة ثم قــال : " اجمعوا لي من ها هنا من اليهود " ، فجمعوا له ... فقال لهم : " هل أنتم صَادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ " قالوا : نعم ، قال : " أجعلتم في هذه الشاة سُمّاً ؟ " قالوا : نعم ، قال : " فما حملكم على ذلك ؟ " قالوا : أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك ، وإن كنت نبياً لم يضرك .
]حديث صحيح : أخرجه البخاري في الطب ، وفي الجهاد باب إذا غدر المشركون ، وفي المغازي باب الشاة ، وأبو داود رقم ( 4509) [.
- الجمل يسجد للرسول
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسقون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره ، وأن الأنصار جاءوا إلى رسول الله فقالوا : إنه كان لنا جمل نسقي عليه ، وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره ، وقد عطش الزرع والنخل ، فقال رسول الله لأصحابه : " قوموا " فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته ، فمشى النبي نحوه فقالت الأنصار : يارسول الله إنه قد صار مثل الكَلب الكَلِب ( إي الكلب المفترس ) وإنا نخاف عليك صولته ، فقال : " ليس عليّ منه بأس " ، فلمّا نظر الجمل إلى رسول الله أقبل نحوه حتى خر ساجداً بين يديه ، فأخذ رسول الله بناصيته أذلّ ما كانت قط ، حتى أدخله في العمل ، فقال له أصحابه : يا رسول الله هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك ، ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك فقال : " لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه " .
]حديث صحيح : أخرجه أحمد ( 3/159) ، وقال ابن كثير ( 6/149) : إسناده جيد [.
- الجمل يبكي ويشكو للنبي
عن عبد الله بن جعفر – رضي الله عنه – قال : أردفني رسول الله ذات يوم خلفه فأسرّ إليّ حديثاً لا أخبر به أحداً أبداً، وكان رسول الله أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوماً حائطاً من حيطان الأنصار فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه ... فلما رأى رسول الله حنّ وذرفت عيناه فمسح رسول الله سراته وذفراه ، فسكن فقال : " من صاحب الجمــل ؟ " فجاء فتى من الأنصار قال : هو لي يارسول الله، فقال: " أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله لك إنه شكا إلىّ أنك تجيعه وتُدئبه " .
]حديث صحيح : رواه مسلم في الحيض ( 1/268) ، وأبو داود في الجهاد رقم (2549) وابن ماجة رقم ( 340) (1/122) ، والإمام أحمد ( 1/204) [
- البعير والبهائم تسجد للرسول
عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله كان في نفر من المهاجرين والأنصار ، فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه : يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك . فقال : "اعبدوا ربكم ، وأكرموا أخاكم ، ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة تسجد لزوجها ولو أمرها أن تُنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي لها أن تفعله ".
]حديث حسن : رواه أحمد (6/76) ، وابن ماجة في النكاح رقم ( 852) [
- دعوها فإنها مأمورة
لما كان يوم الجمعة بعد وصول النبي إلى المدينة ركب بأمر الله فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ، فجمّع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي ، ثم ركب فأخذوا بخطام راحلته ، هَلُمّ إلى العدد والعُدّة والسلاح والمنعة ، فقال : " خلّوا سبيلها فإنها مأمورة " فلم تزل ناقته سائرة به لا تمرُّ بدار من دور الأنصار إلا رغبوا إليه في النزول عليهم ويقول : " دعوها فإنها مأمورة " فسارت حتى وصلت إلى موضع مسجده اليوم ، وبركت ، ولم ينزل عنها حتى نهضت وسارت قليلاً ، ثم التفتت ، فرجعت ، فبركت في موضعها الأول فنزل عنها ، وذلك في بني النجار أخواله ، وكان من توفيق الله لها ، فإنه أحب أن ينزل على أخواله ، يُكرمهم بذلك ، فجعل الناس يُكلّمون رسول الله في النزول عليهم وبادر أبو أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – إلى رحله فأدخله بيته ، فجعل رسول الله يقول : " المرء مع رحله " .
]حديث صحيح : رواه البخاري ، ومسلم [
- الفرس الضعيف يسبق ويدر الأموال الطائلة
عن جعيل الأشجعي – رضي الله عنه – قال : غزوت مع رسول الله في بعض غزواته ، وأنا على فرس لي عجفاء ضعيفة ، قال : فكنت في أُخريات الناس ، فلحقني رسول الله وقال : " سر يا صاحب الفرس " ، فقلت : يا رسول الله عجفاء ضعيفة ، قال : فرفع رسول الله مخفقة معه فضربها بها وقال : " اللهم بارك له " قال : فلقد رأيتني أمسك برأسها أن تقدم الناس ، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفاً .
]صحيح : رواه البخاري في التاريخ ( 1/248) ، والنسائي في السنن الكبرى ، والبيهقي في الدلائل ( 6/153) .[
- الناقة القاعدة تتحرك وتسبق
هذا صحابي أعجزته ناقته أن تتحرك فمسها برجله فتحركت وسبقت . يقول أبو هريرة – رضي الله عنه - : جاء رجل إلى النبي فقال : إني تزوجت امرأة ، فقال : " هلاّ نظرت إليها فإنّ في أعين الأنصار شيئاً ؟ " قال : قد نظرت إليها ، قال : " على كم تزوجتها ؟ " فذكر شيئاً ، قال : " كأنهم ينحتون الذهب والفضة من عرض هذه الجبال ، ما عندنا اليوم شيء نعطيكه ، ولكن سأبعثك في وجه تصيب فيه " فبعث بعثاً إلى بني عبس وبعث الرجل فيهم ، فـأتاه فقال : يا رسول الله أعيتني ناقتي أن تنبعث، قال: فناوله رسول الله يده كالمعتمد عليه للقيام، فأتاها فضربها برجله، قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده لقد رأيتها تسبق به القائد .
]حديث صحيح : أخرجه مسلم في النكاح (2/1040) ، والبيهقي في الدلائل (6/154).[
- الشاة التي لا تدر تدر وتنجب أغناماً كثيرة
عن أبي بكر – رضي الله عنه – قال : خرجت مع رسول الله من مكة فانتهينا إلى حي من أحياء العرب ، فنظر رسول الله إلى بيت متنحياً فقصد إليه ، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة ، فقالت : يا عبد الله ، إنما أنا امرأة وليس معي أحد ، فعليكما بعظيم الحي إذا أردتم القرى ( أي ما هيئ للضيف ) فلم يجبها وذلك عند المساء فجاء ابن لها بأعنز له يسوقها ، فقالت له : يا بني ، انطلق بهذه العنز والشفرة إلى هذين الرجلين ، فقل لهما : تقول لكما أمي : اذبحا هذه وكلا وأطعمانا ، فلما جاء قال له النبي : انطلق بالشفرة وجئني بالقدح ، قال : إنها قد عزبت ، وليس لها لبن .
قال : انطلق ، فانطلق فجاء بقدح . فمسح النبي ضرعها ، ثم حلب وملأ القدح ثم قال : انطلق به إلى أمك ، فشربت حتى رويت ، ثم جاء به فقال : انطلق بهذه وجئني بأخرى ، ففعل بها كذلك ، ثم شرب النبي فبتنا ليلتنا ثم انطلقنا وكانت تسميه المبارك ، وكثرت غنمها حتى جلبت جلباً إلى المدينة ، فمر أبو بكر الصديق فرآه ابنها فعرفه ، فقال : يا أمه ، إن هذا الرجل الذي كان مع المبارك ، فقامت إليه فقالت : يا عبد الله من الرجل الذي كان معك ؟ قال : وما تدرين من هو ؟ قالت : لا . قال : هو النبي : فأدخلني عليه ، فأدخلها عليه فأطعمها وأعطاها ، واهدت له شيئاً من أقط ومتاع الأعراب ، فكساها وأعطاها ، وأسلمت .
]حديث حسن : أخرجه البيهقي في الدلائل (2/419) باب اجتياز رسول الله، قال ابن كثير : سنده حسن كذا في كنز العمال (46287)، (16/666،665)[
- البعير يتكلم
عن يعلى بن سبابة قال : كنت مع النبي في مسير له ، فأراد أن يقضي حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الأخرى ، ثم أمرهما فرجعتا إلى منابتهما ، وجاء بعير فضرب فجرانه إلى الأرض ثم جرجر حتى ابتل ما حوله فقال رسول الله : " أتدرون ما يقول البعير ؟ إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره " ، فبعث إليه رسول الله فقال : " أواهبه أنت لي ؟ " فقال يارسول الله : مالي مال أحب إليّ منه . فقال : " استوص به معروفاً " ، فقال : لا جرم لا أكرم مالاً كرامته يا رسول الله .
- كلام الظبية وشهادتها للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة
عن أبي سعيد – رضي الله عنه – قال : مر رسول الله بظبية مربوطة إلى خباء فقالت : يا رسول الله : حلني حتى أذهب فأرضع خشفي ، ثم أرجع فتربطني ، فقال رسول الله : " صيد قوم وربيطة قوم " قال : فأخذ عليها فحلفت له فحلها فما مكثت إلا قليل حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها فربطها رسول الله، ثم أتى خباء أصحابها فاستوهبها فوهبوه له فحلها ثم قال رسول الله: " لو علمت البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سميناً أبداً ".
]رواه البيهقي في الدلائل (6/334) .[
عن زيد بن أرقم – رضي الله عنه – قال : كنت مع النبي في بعض سكك المدينة فمررنا بخباء أعرابي ، فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء ، فقالت يا رسول الله : إن هذا الأعرابي اصطادني ولي خشفان في البرية وقد تعقد اللبن في أخلافي فلا هو يذبحني فأستريح ولا يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية ، فقال لها رسول الله: " إن تركتك ترجعين " قالت : نعم وإلا عذبني بالله عذاب العشار- أي الناقة التي أتى عليها من رفث الحمل عشرة أشهر - فأطلقها رسول الله، فلم يلبث إلا أن جاءت تلمظ فشدها رسول الله إلى الخباء وأقبل الأعرابي ومعه قربة فقال له رسول الله : " أتبيعنيها ؟" قال : هي لك يا رسول الله فأطلقها رسول الله.
]رواه البيهقي وأبو نعيم في دلائلهما [
- فهم البغلة كلام النبي
عن شيبة بن عثمان الحجبي – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله للعباس يوم حنين : " ناولني من الحصباء " ، وأفقه الله البغلة كلامه ، فانخفضت به حتى كاد بطنها يمس الأرض ، فتناول رسول الله من البطحاء ، فحثا في وجوههم . وقال : " شاهت الوجوه حم لا ينصرون " ( يقصد سورة الدخان ) .
وعن أنس – رضي الله عنه – قال : انهزم المسلمون بحنين ورسول الله على بغلته الشهباء – وكان اسمها دلدل – فقال لها رسول الله: دلدل البدي ، فألزقت بطنها بالأرض ، فأخذ حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم ، وقــــال : " حم لا ينصرون ، فانهزم القوم ، وما رمينا بسهم ، ولا طعنا برمح " .
- الفحلان سجدا للنبي
عن ابن عباس أن رجلاً من الأنصار كان له فحلان فا غتلما فأدخلهما حائطاً فسد عليهما الباب ثم جاء إلى النبي فأراد أن يدعو له والنبي قاعد مع نفر من الأنصار فقال : يا نبي الله إني جئت في حاجة ، وأن فحلين لي اغتلما وإني أدخلتهما حائطاً وسددت عليها الباب فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما الله لي فقال لأصحابه : " قوموا معنا " فذهب حتى أتى الباب فقال : " افتح " فأشفق الرجل على النبي قال : " افتح " ففتح الباب ، فإذا أحد الفحلين قريب من الباب. فلما رأى النبي سجد له ، فقال النبي : " ائتني بشيء أشد برأسه وأمكنك منـه " فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه منه ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر فلما رآه وقع له ساجداً ، فقال للرجل : " ائتني بشيء أشد رأسه "، فشد رأسه وأمكنه منه ثم قال : " اذهب فإنهما لا يعصيانك " ، فلما رأى أصحاب النبي ذلك قالوا : هذان فحلان لا يعقلان سجدا لك ، أفلا نسجد لك ، قال : " لا آمر أحداً يسجد لأحد ، ولو أمرت أحداً يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها " .
]قال الهيثمي في المجمع (9/8،7) : رواه الطبراني وفيه أبو عزة الدباغ وثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات [
الذئاب تتكلم وتطلب حقها
عن شمر عن رجل من مزينة قال : صلى رسول الله ذات يوم فجاءت الذئاب فعوت خلفه ، فلما انصرف رسول الله قال : " هذه الذئاب أتت تخبركم أن تقسموا لها من أموالكم ما يصلحها أو تخلوها فتغير عليكم " ، قالوا : دعها فتغير علينا .
]أخرجه الدارمي في سننه المقدمة (ص 8) ، وأخرجه ابن أبي شيبة (ج11 ص 480رقم 11785) .[
- شهادة الضب للنبي بالرسالة
عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن رسول الله كان في محفل من أصحابه إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضباً وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله فلما رأى الجماعة ، قال : ما هذا ؟ قالوا : هذا الذي يزعم أنه نبي : فجاء حتى شق الناس : فقال : واللات والعزى ما اشتملت النساء على ذي لهجة أبغض إليّ منك ولا أمقت ولولا أن يسميني قومي عجولاً لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك : الأسود والأحمر والأبيض وغيرهم ، فقال عمر بن الخطاب : يارسول الله : دعني فأقوم فأقتله . قال : " يا عمر : أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبياً " ثم أقبل على الأعرابي فقال : (( ما حملك على أن قلت ما قلت ؟ وقلت غير الحق ؟ ولم تكرمني في مجلسي ؟)) قال : وتكلمني أيضاً ؟ استخفافاً برسول الله واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب وأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله فقال رسول الله : (( يا ضب ؟ )) فأجابه الضب بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعاً : لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة . قال : (( من تعبد يا ضب ؟ )) قال : الذي في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته ، وفي النار عقابه : قال : (( فمن أنا يا ضب ؟ )) قال : رسول الله رب العالمين ، وخاتم النبيين ، وقد أفلح من صدقك ، وقد خاب من كذبك . قال الأعرابي : لا أتبع أثراً بعد عين والله لقد جئتك وما على ظهر الأرض أبغض إليّ منك ، وإنك اليوم أحب إليّ من والدي ومن عيني ، ومني وإني لأحبك بداخلي ، وخارجي وسري وعلانيتي . أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله .
فقال رسول الله : (( الحمد لله الذي هداك بي ، إن هذا الدين يعلو ولا يعلى عليه ولا يقبل إلا بصلاة ولا تقبل الصلاة إلا بالقرآن )) ، قال : فعلمني فعلمه { قل هو الله أحد } قال زدني : فما سمعت في البسيط ولا في الرجز أحسن من هذا .
قال يا أعرابي ! : (( إن هذا كلام الله ليس بشعر إنك قرأت { قل هو الله أحد } مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن وإن قرأت مرتين كان لك أجر من قرأ ثلثي القرآن – وإذا قرأتها ثلاث مرات ، كان لك أجر من قرأ القرآن كله )) . قال الأعرابي : نعم الإله : إلهاً يقبل اليسير ويعطي الجزيل ، فقال له رسول الله : (( ألك مال )) قال : فقال : ما في بني سليم قاطبه رجل هو أفقر مني ، فقال رسول الله لأصحابه : (( أعطوه )) فأعطوه حتى أبطروه . فقام عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله ! إن له عندي ناقة عشراء دون البختين وفوق الأعربي تلحق ولا تُلحق أهُديت إليّ يوم تبوك أتقرب بها إلى الله عز وجل وأدفعها إلى الأعرابي .
فقال رسول الله: (( قد وصفت ناقتك فأصف مالك عند الله يوم القيامة )) قال : نعم . قال : (( لك كناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر وعنقها من زبرجد أصفر عليها هودج وعلى الهودج السندس والإستبرق وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة )) . فقال عبد الرحمن : قد رضيت . فخرج الأعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة . معهم ألف سيف وألف رمح . فقال لهم : أين تريدون ؟ فقالوا : نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله : قال : لا تفعلوا أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فحدثهم الحديث ، فقالوا بأجمعهم : لا إله إلا الله محمد رسول الله . ثم دخلوا فقيل للنبي : فتلقاهم بلا رداء فنزلوا عن ركبانهم يقبلون حيث وافوا منه ، وهم يقولون : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
ثم قالوا : يا رسول الله أمرنا بأمرك ، قال : (( كونوا تحت راية خالد بن الوليد )) فلم يؤمن من العرب ولا غيرهم ألف غيرهم .
]أخرجه أبو نعيم في الدلائل (ص 320) ، وأخرجه البيهقي في الدلائل ، وذكره ابن كثير في البداية (6/149) ، والسيوطي في الخصائص (ج2 ص 65) .[
- أخبر عن الشاة التي أخذت بغير إذن أهلها ولم يعلم بذلك أحد من معجزاته الإخبار عن الغيوب الماضية
عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول الله في جنازة فرأيت رسول الله وهو على القبر يوصي الحافر : أوسع من قبل رجليه ، أوسع من قبل رأسه ، فلما رجع استقبله داعي امرأة ، فجاء وجيء بالطعام فوضع يده فيه ووضع القوم أيديهم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله يلوك لقمة في فيه ، ثم قـال : (( أجد لحم شاة ، أخذت بغير إذن أهلها )) . قال : فأرسلت المرأة ، يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم توجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل بها إليّ بثمنها فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليّ بها ، فقال رسول الله : (( أطعميه الأسارى )) .
]أخرجه أبو داود وانظر البداية (6/198) .[
- أخباره عن الجمل وما يحدث حوله
عن ابن عباس عن رسول الله قال : ( أيتكن صاحبة الجمل الأذنب يقتل حولها قتلى كثيرة وتنجو بعدما كادت ) .(صحيح : أخرجه ابن أبى شيبة (15/360) . أي يقتل . وذلك سنة ست وثلاثين . وقد قتل حول الجمل ستون ألفاً من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- .
24- مرض الكلب
إعجاز آخر للطب النبوي حين أرشدنا إلى الأسلوب العلمي الرفيع في الاحتراز من الآنية والمياه التي يردها الكلاب خوفاً من نقلها مرض الكلب ( الريبس ) الخطير وعدة أمراض أخرى (طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ).
ما الحكمة في الغسل سبع مرات أولاهن بالتراب : أن فيروس الكلب دقيق متناه في الصغر , ومن أنه كلما صغر حجم الميكروب كلما زادت فاعلية سطحه للتعلق بجدار الإناء والتاقه به , ولعاب الكلب المحتوي على الفيروس يكون على هيئة شريط لعابي سائل , ودور التراب هنا هو امتزاز الميكروب (بالالتصاق السطحي ) من الإناء على سطح دقائقه .
- الذباب
ترجع فكرة اللقاحات والأمصال إلى اكتشاف الطب الحديث أن العلاج بذات السم هو خير وسيلة للنجاة منه , لقدرة الخلايا الحية على إنتاج أجسام مضادة , وقد أثبتت دراسات أجريت على الذباب , أنه حين يحمل في جناحه بعض الجراثيم تتولد به أجسام مضادة لهذه الجراثيم .
وجاء هذا مصدقاً لكلام رسول الله : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه , فإن في إحدى جناحيه داء وفي الآخر دواء "{أخرجه البخاري} .
وفي رواية :" إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه , فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء , وأنه يقدم السم ويؤخر الشفاء " {أخرجه أحمد } .
والحديث يقرر ما لم تعرفه الأجيال السابقة عن دور الذباب كناقل رئيسي للأمراض آية شاهدة على الإعجاز العلمي في الحديث النبوي .
17-معجزات مع القرآن
834-القرآن يتحدى
( الإتيان بمثله أم بسورة منه )
تحداهم القرآن العظيم أن يأتوا بمثله فعجزوا .
قال تعالى : ( وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) البقرة: 23
وتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا قال سبحانه : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) هود : 13 .
وتحداهم أن يأتوا بأقصر سورة من مثله فعجزوا قال سبحانه : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) يونس : 38 . ولم يعارض القرآن إلا مجنون أو أحمق.
هذا مسيلمة الكذاب راح ليثبت أن الوحي قد نزل عليه , ورام أن يعارض القرآن الكريم ,فوقع في شر أعماله , ولو نطق الحيوان لقهقه من قرآن مسيلمة استمع إليه وهو يقول : والمذرعات ذرعاً . والحاصدات حصداً والذاريات , قمحاً ، والطاحنات طحناً . والخابزات خبزاً . والثاردات ثرداً . واللاقمات لقماً ,إهالة وسمناً , لقد فضلتم على أهل الوبر . ما سبقكم أهل المدر . رفيقكم فامنعوه , والمعتر فآووه , والناعي فواسوه .
وكأنه أراد أن يعارض سورة العاديات فأضحك الله منه خلقه . والرجل كان عبد بطنه لذا تنزل الوحي على معدته !! .
ومن كلام السافل أيضاً : يا ضفدع بنت الضفدعين , نقي ما تنقين , لا الماء تكدرين , ولا الشارب تمنعين , رأسك في الماء وذنبك في الطين .
قال الجاحظ في الحيوان عند كلامه عن الضفدع : ولا أدري ما هيج مسيلمة على ذكرها , ولم ساء رأيه فيها حتى جعل بزعمه فيها فيما نزل عليه من القرآن : يا ضفدع بنت ضفدعين .
ومن كلامه الساقط البارد السخيف النتن الذي لا ينهض ولا يجلو ولا يتماسك : الفيل وما أدراك ما الفيل له زلوم طويل .
قصد بهذا الهراء السخيف أن يعارض سورة الفيل , وشتان بين الثرى والثريا . وقال أيضاً : والليل الدامس . والذئب الهامس . ما قطعت أسد من رطب ولا يابس .
فكيف وجد من العرب الفصحاء البلغاء , من يغرى بمثل هذا الهراء لا جرم أنها العصبية والحمية ومحاولة القضاء على الدعوة الإسلامية .
ورد أن عمرو بن العاص – قبل إسلامه – قدم على مسيلمة فقال : له مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم في هذا الحين ؟ فقال له عمرو : لقد أنزل عليه سورة وجيزة – بليغة , فقال : وما هي ؟ قال : أنزل عليه (والعصر) .إلخ السورة , قال : ففكر مسيلمة ساعة . ثم رفع رأسه , فقال : ولقد أنزل عليّ مثلها , فقال له عمرو : وما هي ؟ فقال مسيلمة : يا وبر يا وبر , إنما أنت إيراد وصدر , وسائرك حفر ونقر , ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟ فقال له عمرو : والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب .
835- ومن تأثير القرآن في القلوب
أخذه بمجامع القلوب ووصوله إلى شغافها وتحكمها في سويدائها
هذا عمر – رضي الله عنه – يعلن إسلامه ويترك كفره من قراءة بعض الآيات من فاتحة سورة طه .
- وهذا النجاشي ( أصحمة ) أسلم , ورفض المسيحية من استماع مقدمة سورة مريم , وعارض قومه , وخالف أهل ملته , وهو يعلم يقيناً أن في هذا ضياع ملكه , وذهاب دولته , وقضاء سلطانه .
وهذا الطفيل بن عمرو الدوسي يسمع بعض الآيات من النبي فيبهره ما يسمع فيتحدى المشركين الذين خوفوه من النبي ويعلن توحيده , ويدعو قومه حتى أسلموا على يديه .
836 - القرآن يخطف عقل الوليد بن المغيرة
أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له , فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه , فقال : يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً ليعطوكه , فإنك أتيت محمداً لتتعرض لما قبله , قال : لقد علمت قريش أني من أكثرها مالاً . قال : فقل فيه قولاً يبلغ قومك أنك منكر له وأنك كاره له , فقال : وماذا أقول فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا برجزه ولا بقصيده مني . ولا بأشعار الجن , والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا . و والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة , وإنه لمنير أعلاه مشرق أسفله , وإنه ليعلو وما يعلى عليه , وإنه ليحطم ما تحته .
قال : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه . قال : فدعني حتى أفكر , فلما فكر قال : هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت : ( ذرني ومن خلقتُ وحيداً ) . أخرجه الحاكم وقال : إسناده على شرط البخاري .
قال تعالى : ( ذرني ومن خلقت وحيداً }11{ وجعلت له مالاً ممدوداً}12{ وبنين شهوداً}13{ ومهدت له تمهيداً}14{ ثم يطمع أن أزيد}15{ كلاّ إنه كان لآياتنا عنيداً}16{ سأرهقه صعوداً}17{ إنه فكر وقدر}18{ فقتل كيف قدر}19{ ثم قتل كيف قدر}20{ ثم نظر}21{ ثم عبس وبسر}22{ ثم أدبر واستكبر}23{ فقال إن هذا إلاّ سحر يؤثر}24{ .(المدثر : 11-24 ).
837- أئمة الكفر يسرعون إلى الاستماع للقرآن
عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أنه حدث : أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام : والأخنس بن شريق حليف بني زهرة , خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله وهو يصلي من الليل في بيته , فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع قيه , وكل لا يعلم بمكان صاحبه , فباتوا يستمعون له , حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاموا وقال بعضهم لبعض :
لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً , ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة , عاد كل رجل منهم إلى مجلسه , فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا , فجمعهم الطريق , فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة , ثم انصرفوا , حتى إذا كانت الليلة الثالثة , أخذ كل رجل منهم مجلسه , فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق , فقال بعضهم لبعض : لا تبرح حتى نتعاهد ألا نعود .
فتعاهدوا على ذلك , ثم تفرقوا , فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه , ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال : يا أبا ثعلبة , والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها , وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها , قال الأخنس : وأنا والذي حلفت به كذلك . قال : ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته .
فقال يا أبا الحكم : ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال : ماذا سمعت ! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا , وحملوا فحملنا , وأعطوا فأعطينا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرس رهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء , فمتى ندرك مثل هذا ؟ والله لا نؤمن به أبداً , ولا نصدقه , قال : فقام عنه الأخنس وتركه. أخرجه ابن سحاق في السيرة وذكره الحافظ في الإصابة في تمييز الصحابة (1/26), وقال ذكره الذهبي في الزهريات بسند صحيح .
فعمل هذا الجاهل الجهول المجهال الجهالة أبو جهل هو الصد عن سبيل الله – تعالى - .
838- القرآن يخطف قلب النجاشي فيدع النصرانية ويؤمن بالإسلام .
لما هاجر المسلمون الهجرة الأولى إلى الحبشة . وأرسلت قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة ليرادهم إلى قومهم وبعد مداولات ومجاولات رأى النجاشي أن يستمع الأقوال .
قال جعفر بن أبي طالب : أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ونسئ الجوار ، ويأكل منا القوي الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا لله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانه ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ،وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً . وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام فعدد علينا أمور الإسلام ، فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً وحرمنا منا حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله – تعالى- وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث . فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .
فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شي؟ فقال له جعفر : نعم ! فقال له النجاشي : فاقرأه عليّ ، فقرأ عليه صدراً من {كهيعص} فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكى أساقفته حتى اخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ثم قال لهم النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ، ولا يكادون يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه ، فخرجا ، وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن ربيعة : والله لآتينهم غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم .
فقال له عبدالله بن ربيعة : لا تفعل ، فإن لهم أرحاماً ، وإن كانوا قد خالفونا ولكن أصر عمرو على رأيه .
فلما كان الغد قال للنجاشي : أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ، ففزعوا ، ولكن أجمعوا على الصدق ، كائناً من كان ، فلما دخلوا عليه ، وسألهم قال له جعفر: نقول فيه الذي جاءنا به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول . فأخذ النجاشي عوداً من الأرض ، ثم قال : والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود .
]سيرة ابن هشام (1/336،334) ، وساقه ابن إسحاق بسند متصل [
839- ومن إعجاز القرآن ]إعجاز الحفظ والوعي [
العجز الكامل عن بلوغ النهاية في حمله وحفظه في الصدور والقلوب حمل القرآن يسير وحفظه في القلب ليس بعسير ، قال تعالى { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } . ولا يعجز المرء أن يحفظه في ثمانية أشهر ، يحفظ كل يوم ربعاً ( حوالي ثلاثين سطراً ) إذ إنه أربعون ومائتان ربعاً .
وورد أن الإمام الزهري حمل القرآن الكريم في ثمانين يوماً . أما الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل فإنه يتعسر ويمتنع في حق أهلها حفظها في الصدور ، وهذا إعجاز آخر للقرآن الكريم . إلا أن القرآن المجيد مع يسر حفظه يتعسر على حامليه أن يبلغوا النهاية في حفظه بأن لا يخطئوا فيه ولا ينسوا منه كلمة واحدة عند تلاوته كله عن ظهر غيب ، وهذا بخلاف حفظ الشعر والنثر والخطب وسائر كلام الناس .
وقد سمعت أن رجلاً من المتفوقين في حمل القرآن المجيد تحدى بعض الناس في حفظ القرآن الكريم ، فتلا القرآن عن ظهر قلب من أول الفاتحة حتى بلغ سورة المسد ولم يخطئ خطأ واحداً ، فلما قرأ { تبت يدا أبي لهب وتب } غاب عن ذهنه الآية التي بعدها !! .
840- كل حرف في القرآن له دلالة ومعنى وليس به حرف زائد
ولنأخذ مثالاً واحداً للدلالة على ذلك : قال تعالى { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها } ]الزمر: 71[ فلما ذكر أبواب الجنة ، قال : { وسيق الذين أتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها } فأضاف واواً في جواب الشرط ولم يضفه في أبواب جهنم . لأن أبواب جهنم لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها ، فأما أبواب الجنة ففتحها يكون متقدماً على وصولهم إليها بدليل قوله تعالى : { جنات عدن مفتحة لهم الأبواب } فلذلك جيء بالواو كأنه قيل : حتى إذا جاءوها وقد فتحت أبوابها .
]تفسير الرازي (13/485) [
وقيل : لتسرح النفس كل مسرح فيما يكون عند باب الجنة ، كما يقول الوالد لولده : إن حصلت على تقدير ممتاز ولا يذكر الجواب ، فيفكر الولد وتسرح نفسه في هدية الوالد ، أهي شقة أم سيارة أم عروس أم ... أما القول بأنه ذكر ذلك لأن أبواب النار سبعة وأبواب الجنة ثمانية فضعيف .
841- الإعجاز في تكرار آياته وكلماته
وعندما يذكر القرآن الكريم آية أو آيات متشابهة في اللفظ في أكثر من موضع نرى أن الاختلاف في الكلمات التي ذكرت في الموضعين أو المواضع يعطي معنى جليلاً مهماً ولا يصح أن تكون كلمة أو حرفاً من هذه الحروف زائدة ، خذ مثلاً قال تعالى { وإذ قٌلنا ادخلوا هذه القرية فكٌلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سُجداً وقولوا حطةُ نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (58) فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون } ]البقرة : 58-59[
وقال عز وجل في سورة الأعراف : { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين (161) فبدّل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون } ]الاعراف : 161-162[
هاتان الآيتان تخالفان آيتا البقرة من وجوه :
الأول : قال تعالى : { وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } ]البقرة :58[ ها هنا قال تعالى { وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية } ]الاعراف :161[
الثاني : أنه تعالى قال : في سورة البقرة : {فكلوا } ، بالفاء وها هنا : {وكلوا } بالواو .
الثالث : أنه تعالى قال في سورة البقرة : {رغداً } وهذه الكلمة غير مذكورة في هذه السورة .
الرابع : أنه تعالى قال في سورة البقرة : { وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة } وقال هنا هنا : على التقديم والتأخير .
الخامس : أنه تعالى قال في البقرة : { نغفر لكم خطاياكم } وقال ها هنا { نغفر لكم خطيئاتكم } .
السادس : أنه تعالى قال في سورة البقرة : { وسنزيد المحسنين } وها هنا حذف حرف الواو.
السابع : أنه تعالى قال في سورة البقرة : { فأنزلنا على الذين ظلموا } وقال ها هنا : { فأرسلنا عليهم } .
الثامن : أنه تعالى قال في سورة البقرة : { بما كانوا يفسقون } وقال ها هنا : { بما كانوا يظلمون } .
واعلم : ان هذه الألفاظ متقاربة ولا منافاة بينها ألبته ،
ويمكن ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة :
أما الأول : وهو أنه – تعالى – قال في سورة البقرة : { ادخلوا هذه القرية } وقال : هاهنا : { اسكنوا } فالفرق أنه لابد من دخول القرية أولاً ، ثم سكونها ثانياً .
وأما الثاني : فهو أنه – تعالى – قال في البقرة : { ادخلوا هذه القرية فكلوا } بالفاء ، وقال : ها هنا : { اسكنوا هذه القرية وكلوا} بالواو ، والفرق أن الدخول حالة مخصوصة ، كما يوجد بعضها ينعدم ، فإنه إنما يكون داخلاً في أول دخوله ، وأما ما بعد ذلك فيكون سكوناً لا دخولاً .
إذا ثبت هذا فنقول : الدخول حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار فلا جرم يحسن ذكر فاء التعقيب بعده ، فلهذا قال تعالى : { ادخلوا هذه القرية } واما السكون فحالة مستمرة باقية ، فيكون الأكل حاصلاً معه لا عقيبه ، فظهر الفرق .
وأما الثالث : وهو أنه – تعالى – ذكر في سورة البقرة : {رغداً } وما ذكره هنا ، فالفرق أن الأكل عقيب دخول القرية يكون ألذ ، لأن الحاجة إلى ذلك الأكل كانت أكمل وأتم ، ولما كان ذلك الأكل ألذ لا جرم ذكر فيه قوله تعالى : { رغداً } وأما الأكل حال سكون القرية ، فالظاهر أنه لا يكون في محل الحاجة الشديدة مالم تكن اللذة فيه متكاملة ، فلا جرم ترك قوله تعالى : { رغداً } فيه .
وأما الرابع : وهو قوله تعالى في سورة البقرة : { وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة } ، وفي سورة الأعراف على العكس منه ، فالمراد التنبيه على انه لا يحسن تقديم كل واحد من هذين الذكرين على الآخر ، إلا لما كان المقصود منهما ، تعظيم الله – تعالى – وإظهار الخضوع والخشوع لم يتفاوت الحال بسبب التقديم والتأخير .
وأما الخامس : وهو أنه تعالى قال في سورة البقرة { خطاياكم } وقال ها هنا : {خطيئاتك } فهو إشارة إلى أن هذه الذنوب سواء كانت قليلة أو كثيرة ، فهي مغفورة عند الإتيان بهذا الدعاء والتضرع .
وأما السادس : وهو أنه قال في سورة البقرة : { وسنزيد } بالواو ، وها هنا حذف الواو فالفائدة في حذف الواو أنه استئناف ، والتقدير : كأن قائلاً قال : وماذا حصل بعد الغفران ؟ فقيل له : { سنزيد المحسنين } .
وأما السابع : وهو الفرق بين قوله تعالى : { فأنزلنا } وبين قوله تعالى { فأرسلنا } فلأن الإنزال لا يشعر بالكثرة ، والإرسال يشعر بها ، فكأنه بدأ بإنزال العذاب القليل ، ثم جعله كثيراً .
واما الثامن : وهو الفرق بين قوله تعالى : { يظلمون } وبين قوله تعالى { يفسقون } فذلك لأنهم موصفون بكونهم ظالمين ، لأجل أنهم ظلموا أنفسهم ، وبكونهم فاسقين ، لأجل أنهم خرجوا عن طاعة الله – تعالى – فالفائدة في ذكر هذين الوصفين التنبيه على حصول هذين الأمرين .
فهذا ما خطر بالبال في ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة – وتمام العلم بها عند الله – تعالى - .
]تفسير الرازي (7/323،321) [
842- إعجاز في التفسير
قام المفسرون بتفسير كلمات القرآن المجيد , واختلف مناهجهم وأساليبهم في تناول حروف القرآن , ولم يدعوا كلمة بدون تفسير إلا أنهم جاءوا عند أحرف خاصة هي الحروف المقطعة{الم .المص.الر .كهيعص . طه }
ووقفوا مكتوفي الأيدي , وعجزوا أجمعون – من لدن الصحابة إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة – أن يفسروا الأحرف المقطعة في فواتح السور . سبحان الله يفسرون مليون حرف , ويعجزون عن تفسير عدة أحرف معدودة . فإن قلت لأحدهم : ما معنى ( ص. ق . ن)؟ قال : الله أعلم بمراده .
843- وعند النظر والتأمل في هذه الأحرف المختارة في فواتح السور نجد فيها عجباً عجاباً
نجد فيها نغمة موسيقية صوتية ممتعة , فقوله : (حم ) جميلة مؤثرة مقبولة بخلاف ما لو قلت : خم أو جم , (الر) تجد لها وقعاً فريداً بخلاف لو ما قلت الز .
844- ونجد فيها إعجازاً آخر فنطق الحرف يقبل بهذه الطريقة
الف .لام . ميم . , بخلاف ما لو نطقها الم بدون النطق السابق .
وانظر إلى قوله (طه) وإلى قولك : (طه) بدون مد , وقوله : (طس) وإلى قولك : (طس) وقوله :(يس ) وقولك :( يس) .
849- واختيار الأحرف في فواتح السور من بين أحرف الهجاء إعجاز آخر
فنجد أنه اختار في التسعة أحرف الأولى من حروف الهجاء اختار حرفين هما : ( ألف , وحا ), وترك (ب,ت,ث,ج,خ,د,ذ) , وفي الأحرف العشرة التالية الأولى اختار الحروف غير المنقوطة (المهملة ) وترك المنقوطة (المعجمة) . اختار (الراء , وترك الزاي , واختار السين وترك الشين واختار الصاد وترك الضاد واختار الطاء وترك الظاء واختار العين وترك الغين ), ونجد أنه اختار الأحرف التسعة الأخيرة من حروف الهجاء عدا الفاء والواو (ففي الحروف المقطعة (ق,ك,ل,م,ن,ه,ي), وهذا عكس الأحرف التسعة الأولى التي لم ينتق منها إلا حرفان .
إذن عدد الأحرف المختارة من حروف الهجاء أربعة عشر حرفاً وهو ما يمثل نصف الحروف الهجائية , وسبحان الملك القدير .
845- وحتى في نطق الأحرف الأربعة عشر المختارة من بين حروف الهجاء الثمانية والعشرين
ونرى أن بعضها ينطق كاملاً بثلاثة أحرف ( ألف , لام , ميم , صاد , كاف , عين ) وهي المجموعة في (عسلكم نقص , أو كم عسل نقص , أو سنقص علمك ) .
وهذه الحروف يمكن مدها , ويتيسر نطقها بثلاثة أحرف , بخلاف الأحرف الخمسة الباقية المجموعة في كلمة ( حي طهر ) .فهي تنطق حرفان (حا , را,طا,ها,يا) ولا يقال (حاء, راء , طاء, هاء,ياء) .
وعند نطقها ثلاثة أحرف (طاء هاء ) تدرك ضعف المعنى وبعد السلاسة وغرابة التعبير وعسر النطق .
وإن تعجب فعجب أن تجد هذه الأحرف الخمسة مهموزة في عجزها وثانيها ألف .
851- وإعجاز آخر
وهو أن هذه الأحرف تعد آية إن كان عجزها يماثل عجز الآية أو الآيات التي بعدها , فمثلاً (الر) لا تعد آية في السور التي تُفتح بها وما ذام إلا لأنها لا تناسب صوتياً ما بعدها . بخلاف (حم , تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ...) وهلم جرا ترى التناسق والتناسب بين عجز الآيات .
852- إعجاز الحفظ من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان
قال تعالى :( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) {الحجر:9} .
فلم يستطع عدو للإسلام أن يحرف أو يبدل أو يزيد أو ينقص حرفاً من القرآن المجيد , وكل من صنع ذلك باءت محاولاتهم بالفشل الذريع , وصاروا عبرة لمن يعتبر وضحكت منهم العقول السليمة والقلوب الطاهرة .
853- ومن وجوه إعجاز القرآن : ما تضمنه من الإخبار بالمغيبات
قبل أن يحفظ أحد من البشر بعلمها , وبوقوع كائنات قبل وجودها من ذلك .
قوله- تعالى - : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون } (الفتح : 27 ) .فهذه الآية من معجزاته حيث إنه أخبر أصحابه أنهم سيدخلون المسجد الحرام آمنين , ويفتحون مكة على أحسن حال , وانتظر الأصحاب – رضي الله عنهم – هذا الفتح وتم المقصود كما أخبر النبي المحمود.
854- ومنها
قوله تعالى :(الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) {سورة الروم : 1-6 } .
وهذه الآيات من أعظم معجزات سيد المخلوقات, فإن هذه الآيات عندما نزلت كانت الغلبة للفرس على الروم , وكان المسلمون يحبون انتصار الروم على الفرس , إذ أنهم أهل الكتاب فهم أقرب إليهم , بينما كانت قريش تحب انتصار , فارس لأنهم أولاد الوثنية .
روى الترمذي والنسائي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى ( الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض ) قال : غلبت وغلبت , قال : كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم لأنهم أصحاب أوثان , وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على الفرس لأنهم أهل الكتاب , فذكر ذلك لأبي بكر فذكره أبو بكر لرسول الله.
فقال رسول الله: ( أما إنهم سيغلبون ) , فذكره أبو بكر لهم فقالوا : اجعل بيننا وبينك أجلاً , فإن ظهرنا لنا كذا وكذا , وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا , فجعل أجل خمس سنين , فلم يظهروا فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله فقال : ( ألا جعلتها إلى دون عشر ) وبعد أن تمت نبوءة القرآن , أسلم عند ذلك ناس كثير . (أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن غريب .وذكر ه من رواية نيلر بن مكرم السلمي وقال : حديث حسن صحيح , وفي هذه الرواية .
855- كفاية الله أمر المستهزئين
قال تعالى : { فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين * إنا كفيناك المستهزئين * الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون *}(الحجر:94-96).
وهذا أمر معلوم مشاهد لا يحتاج لدليل , فالدنيا كلها تعلم أن المشركين هزموا وقتل أئمتهم واستأصلت شأفتهم وزال جبروتهم , ونجى الله رسوله وأتباعه من كيدهم , ومكن لهم في مكة والمدينة وكفاهم مكر المشركين والمنافقين .
856- والله يعصمك من الناس
ومرت سنوات وسنوات على حياة النبي وهو يعيش بين الناس يأكل ويشرب وينام ويصلي ويحارب , ويزور المرضى , ويتبع الموتى , ويقضي حاجة كل